Monday 25 July 2005

قطة إيتاب - محمد توني


قطة إيتاب

محمد توني


انتظرتك في لسعة البرد في جنة الورد
إيتاب
و ها قد مضت عشرات الرجال أمامي و قد قال كلٌ لأنثاه إني أحبك إني أغار و إني
و ما قلت شيئا
إلى أن تفرق كل بناحية
ثم عدت إلى الفرقة الخلوية وحدي
لأسمع فيروز منعطفًا جنب شادي على جبل الثلج
ما زلت طفلا و قطة إيتاب شاخت
و ها صقر "شاهين" في لوحة الانتظار يحط على جبل الثلج بالذكريات
تذكرت نار الرضاعة من قبس الشفتين و حتى الفطام
بأسوان برزخ حالمة في كيان الفخار
ليرضع كل بصاحبه
ثم يطفيء شعلته في خصوصية الاعتراف
إلى أن تفوح به رغبة الأنبياء و تسري بأوصالها النازعات
بمستودع في مقر بباطن نوران في الفوران بنافورة الاحترار
انتظرتك في أول السوق صيفاَ
و فت حبيبك يقذف نارا و ينزف فنا ، يشيخ ، و تبيض خضراء عينيه من فزع السوق
قالوا : تبنت غرابا سيجرحها و يطير
فلو تأذني عدت شاهين منعطفا جنب شادي
"ابدأ كلامك بالعذاب الخام و اعقد قرانك بالندم ".


و ها عودٌ على بدءٍ بتوتا
- رب إن ابني لديك مع الحضور و ها ثبتٌ بأسماء الملائكة التي ستزفه للغيب :
شتّاء و مجلى و حليب
شتاء أنا بالصيف
و قلبي صوف
و مجلى الاعتراف أنا
و حليب أيامي ينز و يتصوف

- رب ابن لي عندك قصرا في جهنم حتى تكشط النيران آثار حبيبي من على جسدي

و ها عودٌ على بردٍ لتوتا
طرقات أناملك على بابي تخطر في ظهري الآن
عودى سأثقبه ثلاث ثقوب
لأسمع لحنه القاسي الذي قسم بختي
و أنفخ فيه في يختي
يختي يحاور في قناة الذاكرة أعشاب ما يطفو و يتأرجح
و قد يجرح
و قد يجري به المجرى إلى ينبوع توتا عكس ما يجري به التيار
حين أدخلتِ القريحة فرنها الفني و اشترطتِ علي :
- ابدأ كلامك هامسًا بحنين و اعقد قرانك بالنعس .

و ها عودٌ على بعدٍ لتوتا
هذا قطاف سرير أيامي
سأجنيه و قد أجني عليه
بأبيض القطن الذي غطسته في كل عين
عندما رحلت عن الأعراف توتا
حُمّلت عني سرير السر
و انطلقت تبلغ شرطة الأشجار عن فقراء سألوها رغيف الحب من أجلي
و ها هو مجلس الأعيان ينعي اسمها
كان اسم ذاتي في بطاقتها
و أنفاسي بياقتها
تهذب عنف فوراني برقتها
و تغليني بضمتها
تفورني بقبلتها
فهل يا رب تقبلني إذا رحلت؟
و أشهدت على حسنات رحلتها بلاط الفن و الغيبوبة الأولى

و ها عو على مجد لتوتا
ليست الذات مشاعا
يا حرير
حتى و لو فاتت
دودة القز و مالت
تحت معطفها و ماتت بالسرير
ليست الذات مشاعا
يا خريف
و لو فطنت إلى التزييف
فتسكن في كهوف الاعتزال إلى الشتاء
ليس الذات خواء
كانت الذات قناعا
فشراعا
فحطاما
ثم صارت في البدد
و تحب توتا للأبد


عود على أبد لتوتا
لصبح آخر
و قداسة للحب
ترفعه لقبلتنا التي في الموعد الثالث نزت من كؤوس الصهد شمبانيا
ترنح يا  "عماد"
و اشهد عشاء الخميس
صيف العمر
صيف الذات في الخمس الأواخر من ذرى العشرين
قد ساحت على جسدي شموع خبأتها في بصيص قميص نوم الجمعة الأولى
و حذر سقف غرفتنا الحوائط من فراق المشهد المقطوف أسوارًا على شهد العواطف
هكذا سالت كلاما و عنب
أدخلتني مطبخا تحت الملاءة
قشرت تعبي الثقيل
و أشعلت مني فتيل الضمة المنزوعة الحلقات
من علقات عفراء العواطف
لو ترتدي المعطف و تتركني
سأسند ظهر ذاكرتي على تعبي الثقيل ،
أدور كهرباء الرأس بالذكرى
فتصفعني مراوح مغرمات الحس
تقذفني بدون غلاف
اختر مصيرا غير ما حلت به الأطياف
بمؤتمن على قمري المخلف
من نبات الأمنيات و من عصير الخاصرة

لم يكتمل في الذاكرة
إلا صليب أخضر من شوكتين صغيرتين بحجم طلقة عاشق مثلي
يا حبيبي
" قد طرقناك بمنجل
و لبثنا فوق ذكراك
الخجل "
بعدها اخضرت عيوني
نبتت في كل زهراء وجع
وجع خاص ب"توتا" و  ب "منسي"
طالت زيجة المنسي بغفوة
طلقهما يا رب و ارفعه إلى الصفوة
اشعل حرائقك الجميلة في القريحة بالونس
(ابدأ كلامك هامسًا بحنين و اعقد قرانك بالنعس)

و ها عود على عود لتوتا
ألني صدرك كيما أستعر
أو افردي شعرك لأطير
يعبر نعش منسي
و الحارة سد
فأريحي حاملي نعشي على كتفيك
حتى يحملوني صوب عينيك لأدفن
و أُبعث في صفوف الآسفين و أُحاسب
-        أنت في زحمة السوق انفلت و فت يدها
بلغ الحداد عنها النار
أسلمتها لقاسين جلدوها
بعد ذلك عدت تطلب يدها
- رب إني طرت حين عرفت ثم غفوت حين جهلت ثم ذهبت كي أعرف
 و جعلت نفسي مدخلا في أول السوق و "شاهين" و "إيتاب"
 يا غراب
حس معنى الاغتراب
خل لي "توتا" و طر
ربما تعبر مني
فأنا قد صرت قطاف المشاعر
فافتحي جلدك كي ألبس جلدي
لماذا ضقت في هذا المثلث و انحنيت
و أنت تسعين للضلع المزيف
أنت زاوية التخلي
و أنا الضلع الخيالي
و ما زلت بقفص الصدر بالرئتين
بالذكرى الحنون
بالتقادم
رب إني طرت حين عرفت أمسح خراب حصارها
حتى أفك قيودها لكنها رفضت
تأخرت نعم ، أقبلت بعد فوات عصر العاطفة
ألني صدرك
ربما القفشة تعيد لنا المراوح و السلافة و الخلافة
في عطفة الأمل البخيل
قد تزوجت كلامي
بدلي بوابة الخجل النبيلة بالزجاج
إني أرى صدرك خلفه
آوي لمعتصم القناعة بالبلوغ
و بالفطام الصعب
إنها شرط القطيعة
بلطة النهب السريعة
إنها جرف الطبيعة
قد أتتني في عتاب الله
واريني ، واربيني
و تواري
فدمي الأبيض قار في الدوام
لا جذبتني إليك
و لاتركتني أنز
و لا أتيت الاحتلام
إذن لمي مشابكك العصية من على حبل الكلام
فقد عطلت أجراسي
و قد أطفأت فانوسي
و قد عطشت أفراسي
لكي لا تستبق معنى حضورك في حشيش الذاكرة
(ابدأ كلامك بالعذاب الخام و اعقد قرانك بالندم)

عود على بدء ل "توتا"
جدي الوجدان يؤوب من الزمن المنسي
كي يخطب لي توتا
يطلب لي يدها من بيت أبيها
فيجرجر لحيته البيضاء بعطفة القاسي يصرخ:
-        يا ابنة البرد اقبلي منسي
ستحضر زفة الأشهاد حور العين
ملاك و غاوون و أجراء
و يشهد مصحف الليل قرانكما
مع الأنعام و الأشراف
في بقع الأضاحي و الأماسي
-        يا ابنة البرد اقبلي منسي
يعلو صوته فيهز أركان الشوارع حوله
تندك أعراف البنايات
و تصبح قطفة / عطفة القاسي ترابا
يقفز المشهد
إلا ابنة القاسي و منسي
فيحمل رفضها سود الرياح
(اعقد قرانك بالندم)
فأعيد نفسي للهباء
أدور للزمن الوراء
و أشجب الدنيا و حاويها
و ثلتها من الباقين في صدري
حريم البال قالوا :
هات صورتها الجميلة كي نزوجها بأفراس النعام و كي نريها الله يبدأ خلقه الدنيا بأعينها
يلف بها على إيتاب
والسوق و شاهين و عطفة القاسي
فقد هجرتك أعمدة المتاحف حين عرفت أنها هجرتك للدنيا
....
فأرجع للزمان الخلف
أشكوها لحواء و مريم
فقد هجرت سرير  الوعد
و الآن حيٌ بحي بن يقظان
أنعي ابتعاد الغزالة عنه و عني
و من لي بحوت يونس الآن يعصمني من شرودي إذا شردت من خيالي الغزالة .
....
و انطلقت في بحار الحديد إلى سانحات المودة
لتفتح بابي بتؤدة و تهمس
(اهجر غابة طوبة و كيهك و تعال جزر برمهات و برمودة)
تجاوزت نفسي
إذن فاسمحوا أن أعبر عنكم جميعا
و أبحث عن جنة في دماغ ابن عربي
و لكنني كنت منسي فعدت لنفسي
اسمحوا أن أعبر عنها
- أحبك حين تكون السماء مزركشة بكلامك عني
تحبين إيتاب مثلي و فنانة مثل مريم في الصمت
لكن عيسى تعذب من أجل صمتك
مرتديا دعوة لا تقاوم في الحب
قولوا لهاجر تنسى
يؤذن زوجك للحج يأتي رجال يطوفون إيتاب مثلي
و توتا على طائف الانتظار
تخبيء هذا السؤال لتقذفه في يد الخضر:
-        أنت لماذا خرقت السفينة ؟
-        لأني تمنيت ماءك
-        أنت لماذا هدمت الجدار الذي كان بيني و بينك؟
-        لأني أحبك
إذن فسأدعو عليك بكتانة بيضت عين يعقوب
و برملة هجرت قلب هاجر
و أرملة زوجت آل ياسر جنة أحلام حي
-        لماذا تركت ابن يقظان حيا و فت على جبل الثلج شادي؟ و لم تذكري الله حين سئلت عن الطفل ؟
صمت ثلاث ليال
تسببت في جعل راع يتاجر
ثم يؤوب إلى الغار
ثم ينبأ ثم يهاجر ثم يعود لحب قديم بعشرين عامًا من الاغتراب
لم تركبي مع نوح سفينته
و لم تفهمي حق آدم في الامتناع عن الحب في جنة الاتباع المثيرة
حبك أنزله ثم طلعني لأشق غبار الأنوثة حتى وقعت على حجر مريم
تلك التي خبزت كعكة لليتيم و صامت
فهل كنت أحببت رجفة ما هزني في ضلوعي أنا حين جاوزت فني إليك و قلت :
انتظرتك في لسعة البرد في جنة الورد إيتاب
و ها قد مضت عشرات السنين أمامي
و دكت برأسي فنون الغزالة
حتى بلغت حطامي
و كدست جرحي ملحًا
و أشعلت في اقتراحا
(ابدأ كلامك بالعذاب الخام و اعقد قرانك بالندم )

و ها عود على بدء بتوتا
أخرجت نيتشه من بيت فاجنر
أعرف أني أوغلت في الرمز
لكنه الخبز
كيف تكون السخونة في الفرن  مثل الكلام عن الجوع ؟
أخرجت نيتشه عن مجده للجنون
و دالي إلى مأزق في الفنون
و نفسي لمنسي
لكتابة تتأرجح بين يقين و ظن
إلى أن رأيت عيونك تبحث عن قبلة في السماء
تبنت ملائكة يائسين من الحب
يستغفرون لحي بن يقظان رب الغزالة
لو أن توتا معي و لو لم يضق بفمي صدرها
ما تعلقت بالقلم المنحني راسما كوخه حين أهدى لقطة إيتاب قشة
وللآن يا بن طفيل
أسرّح عيني في الوعي
حتى أرى علقات ببالي
و أسئلة خيرت نفسها بين قلبي و قلب التي أودعت نفسها في صدور مرابين لم يعشقوها
هل الفن زادك حرية و جمالا؟
أرى قيمة الوعد في السوق
في باب إيتاب انتظريني
انذريني لأي جمال سوى الفن
إني سآتيك عصرا
بأطول مسبحة شالها جد منسي
و أجمل تفاخة حملت عمتي
كي أطلب من جبل بين شفتيك ريقا من السيلان
انحن و ادخلي كوخ منسي
ستجدين في قشه خاتما أخضر
لو تحكينه بين نهديك
يخرج منه الملاك الذي حبسته
القطيعة في أول القبلات و أطعمها
تعالي على جبل الاحتمال
نهار الخميس أو العصر
أنسج في شفتيك حريرة أشواق روحي أنا حين أبدأ
(ابدأ كلامك بالعذاب الخام و اعقد قرانك بالندم)

و ها عود على مهد لتوتا
إلفي و تطوافي و همسي
قد تجوفت كنايٍ في الصحارى
تنفخ الريح خلالي
أمحو بخط اليوم أعراف غد
و بنظرة الماضي أحدق في الفراغ

No comments: